المشاركات

استعصاء القلم

  يستعصي علي قلمي في أوقات كثيرة، ويمتنع عن الكتابة. لا أعلم سببًا للامتناع إلّا أن فيه من العبط مايكفي لأن يكون شبيها بصاحبه . وهذا جعلني أتفكّر هل الكتابة رفاهية أم حاجة؟   وبصفتي شخص لم يكن يتحدث عما يجوب في خاطره، بل يكتبه في أقصر جملة ممكنة ويمضي في طريقة. -وهذا سبب ادماني لتويتر أو إكس حاليًا بالمناسبة-.  فإمكانية ترجمة مشاعرك في عدد قليل من الحروف والمضي قدما تريح الخاطر في أحيان كثيرة.     ولكن قد كبر الفكر وازدادت المفردات والأفكار وعليت الرغبة في كتابة أكثر من ١٤٠ حرف للتعبير عن فكرة بسيطة، وهذا أظهر لي مشكلة لم أكن أراها سابقا وهي النفس الطويل والانسياب في الفكرة.  فأنا أصل الى النقطة المبتغاة بسرعة وكأن هنالك من يحسب علي الحروف.  وهنا بان معدن قلمي ولياقته الضعيفة، فلذلك خططت أن أكتب بداية السنة ١٢ تدوينة فقط بمعدل تدوينة في كل شهر من أجل أن أحل هذه المشكلة ولكن لا زالت حاضرة ومتمددة.     لا أسمي امتناع قلمي هذا "قفلة كاتب" فأنا لا أرى ما أكتب عملا إبداعيًا ماهي الا خواطر تُنثر في ملاحظات لا يقرأها أحد سواي، وكأني أقوم بأسر الذكرى...

النوافذ التي تسكننا

قبل أن يضع الإنسان بابًا لمنزله، كان هنالك نافذة.   لطالما كانت النافذة موجودة في وقتنا الحالي، ولكن بدأت بالتساؤل عن سبب وجودها ولماذا صنعت من الأساس.   والإجابة المنطقية أنها صنعت لدخول الهواء والضوء إلى المنزل.   فلماذا نضع نحن النوافذ بوجود المكيفات والإنارة؟   هذا ما جعلني أبحث في تاريخ النافذة أو الشبّاك، «وكلاهما صحيح؛ فالنافذة ما نُفِذ منه ضوء أو هواء إلى الغرفة، والشبّاك من الشبك الذي يُوضَع أو بسبب شبك نهاية على نهاية».   لم تكن النافذة إلا مصدرًا للضوء والهواء فقط، حتى أتت القفزة العظمى في الدولة الرومانية، وتحديدًا في الإسكندرية المصرية، واُكتشف الزجاج. وهنا تغير كل شيء؛ فلم تعد النوافذ فقط للضوء والهواء، بل دخلت حيز الجماليات وأصبحت المنازل لا تكتمل بدونها.   فالذي يجعل الإنسان بحاجة لنوافذ نفسية هو أن باب الخروج من الحياة واحد، وهو الموت.   فنحتاج نافذة تُطل على المستقبل القريب لنرى حالنا المتوقع ونتفاءل به، ونافذة تُطل على الماضي السعيد لنستعيد تلك الذكريات الرائعة، وأخرى على تلك الصعاب التي واجهتنا لكي...

تأملات في الثبات، والنضج المؤجل، والهروب الذي لا يحدث.

 أنا عالق لا أكتب حرفًا، لا أصف شيئًا، لا أعيش.   أيام تمر من عمري يقولون. والكلمة الوحيدة التي تطرأ عليّ: أني عالق.   ولكن لا أستطيع أن أرى ما أنا عالق به، فيه، عليه.   فكيف لك أن تفك سراحك إن لم تكن تعلم ما هو سجنك؟   أهي الحياة؟ الروح؟ المجتمع من حولك؟ نفسك؟   والجهل بالسجن، أحيانًا، أقسى من السجن نفسه. وفي خضم دوامة العلق هذه، عدت بالذاكرة لأرى:   كم مرة علق قلمي عن الكتابة؟   وعلق عقلي عن التفكير؟   وعلق جسدي عن النمو؟   وعلقت أنا عن النضج.   يبدو أن العلق يتخذ أشكالًا مضحكة أحيانًا، قبل أن يتحول إلى شيء لا يُضحك أبدًا. في صغري كنت أعلق في مواقف أضحك عندما أتذكرها الآن.   علقت مرة في حوض السيارة، أنا وأضحية كانت أكبر مني حجمًا.   وقد حلت إحدى عُقدها، وكانت تحاول أن تقف.   كانت تريد الهرب من سجنها، كما أرغب أن أهرب من سجني الآن.   وما كان لي حينها إلا الصراخ:  خالي! خالي! البع قام. أنا عالق في حياتي، عالق في نفس المرحلة منذ سنين عديدة...

البحر

البحر  علاقتي بالبحر معقدة مثل علاقتي بكل شيء حولي. لكن للبحر امتياز على غيره. فأنا أقيم دائمًا على بعد ساعتين منه. وأحن له دائمًا فأنا لست بالقريب القريب ولا بالبعيد البعيد. في صغري لم أعرف البحر الا في صورتين، التلفاز، متمثلًا في أغنية «أمام البحر»، وبقعة زرقاء كبيرة أراها من الطائرة. أحفظ عن ظهر قلب الأغنية وكنت أغبط الصبي كلما بلله الموج وأحسّ البرد وارتجفَا، كنت أريد أن أرتجف من برد موج البحر أيضًا. في أول لقاء حقيقي بيننا كاد أن يقتلني، أو كدت أن أقتل نفسي. فكطفل لا يعرف الخطر وبدون أي مراقبة وقفت على الشاطئ منتظرًا أن يبللني الموج وأن أرتجف من البرد تحت الشمس الحارقة. أتت الموجه ولكن لم يأتي البرد معها بل أخذتني للبحر، لموجات أكبر، ولم أقاوم أبدًا بل سلمت نفسي لحلمي. تتحقق الأمنيات ويغرقني الموج وها انا اذوق طعم الملح بكل حب. حتى امتدت يدٌ تمسكني من خلفي تجرني للأعلى بعيدًا عن احلامي، امنياتي، ورغباتي. حيث اللّا أمواج ولا برد ولا ملح، مجرد شمس حارقة. عوقبت تلك الطلعة بأن نصيبي من البحر النظر كما كنت أفعل من الطائرة. تعلمت أن أرسم في المدرسة بيت ونخلة وسيارة. لكن لم أكن أستأن...

سيرة ذاتية للبيع

سيرة ذاتية للبيع لن نعلم أخرجنا عن خطة الحياة المفروضة أو أننا لم نلعب أوراقنا الصحيحة إلّا عند رؤية النتيجة أو رؤية بصيص النهاية. في طريق الحياة هناك إشارات من ينتبه لها يستطيع الوصول إلى بر الأمان بأقل التضحيات وبرؤية تكاد تنعدم فيها الضبابية. وسؤال «هل أنا في المكان الصحيح؟» يجوب بالي أحيانًا كثيرة حتى لو كنت في قمة نجاحي. أمّا إشارات حياتي لم تكن واضحة واختياري الأخير كان عاطفيًا بحتًا. أتذكر أنّي كنت أحب التصوير ليس الفعل نفسه بل أن أُصوّر وأن أرى بعد ذلك الفيلم البنّي تحت أشعة الشمس بكل متعة قبل يذهب به أبي إلى الاستديو. وبحكم بُعد الاستديو وأخذه للكثير من الوقت فقد كانت تتراكم تلك الأفلام دون تحميض وتتراكم صناعتنا أنا وأمي وأبي للذكريات. لا أعلم أن كنت بدأت التصوير حينها فلم أكن أستطيع الإمساك بالكاميرا والمشي في آن واحد. ملّت أمي توثيق لحظاتنا بعد أن كثر إخوتي فأصبح تصوير الكاميرا مرهق ولا يسوى فالجوال يكفي ويسدّ. لم أكن أشاهد المسلسلات والأفلام في بيتنا لأن والديّ لا يفضلونها فكنت إن لم أشاهد أفلام الكرتون فأنا أشاهد نشرات الأخبار، وقد تحولت إشارات الحياة النابعة من ثقب الكا...

الموت

الموت    ‏الموت قريب من الجميع فهو على بعد شهقة واحدة، رمشه واحدة، ثانية واحدة. أقرب من أن يُرى بالعين المجردة. لا تراه الّا عند حدوثه ولن تتوقع حدوثه أبدًا. إياك ومحاولة التجهز له، فسيقتلك الموت قبل ان تواجهه. ولدت بعد موت رفيق والدي المفضل، وأفضل أخوة أمي الذي توفى قبل أن آتي على الدنيا بشهرين او أكثر. في ثالث أيام العيد حيث لم تكن السعادة حاضرة بسبب حالة الوفاة. وطأت على الدنيا في بيئة مليئة برائحة الموت ولم أكن أعلم عنه شيئا. فأنا لم ألتقه بعد . أول لقاء بيني وبين الموت مازلت أتذكره وكأنه حدث بالأمس، أعود بالزمن سنينًا في لحظة واحده لأتذكره، أتذكر استيقاظي في صباح أحد أيام الاجازة وقد وجدت نساءً لا أعرفهم في بيت جدي، نساءً حزينات مكتسيات السواد يبكن. لم أكن أعلم ان البكاء ممكن للكبار حينها، وشعرت بأن منزلنا لم يكن منزلنا فهرعت لأمي فهي الوجه الوحيد الذي أميزه وسط كل ذلك السواد. أمي تبكي؟ وتحاول أن تهدي نفسها لتخبرني بأن جدي مات!!! لم أكن أعرف ما هو الموت فسألت بكل سذاجة "فين بابا؟" لم يكن لدي أي تصور عن الموت فظننته يأخذ أباء الناس. طمنتي وقالت إن أبي بخير وأنه ذاهب ل...

النظام

  ميزة أن تكون أول الواصلين من إخوتك لهذه الحياة هي إعطاء والديك رفاهية تعلّم التربية عليك، فلا رقيب ولا حسيب، وإذا كنت ولدت في مثل وقتي فلا خيار لديهم الا التعلم بالمحاولة والخطأ حيث أن الانترنت لم يكن في كل زاوية.    فكأول طفل لشاب وشابة لم يبلغا عمري الآن، لابد أنّي كنت مصيبة أو كارثة حلت في منزلهم، فلا توجد وسيلة تواصل بيننا فأنا لا أعرف الا الصياح ولا عقل يعمل لأفهم ما يريدان مني ولا خبرات حياتية سابقة من كلا الجهتين. ولكن على العكس كانا يطيران من الفرحة كلما فعلت حركة جديدة. وكانا يبدّيان رغباتي على رغباتهم.   بدأت بالمشيء والقاء كلمات غير مفهومة دالة على رغبات شخصية، فها أنا أصبح كارثة متحركة مزعجة، وأصبحت حركاتي الغير متوقعة في أوقات غير مناسبة تجعلهم يشتطون غضبًا بدل الطيران فرحًا. وكعادة الانسان عندما يواجه معضلة لأول مره فهو يلجأ لوسائل الدفاع المتاحة له، أو إلى الأسلوب الذي عاش حياته عليه حتى هذا الوقت.    وطبيعة والدي العسكرية التي لا تعرف الا تنفيذ الامر المطلوب من الجندي الصغير، لم تكن تفلح معي ابدًا فلا ق...